عملية تكميم المعدة أم تحويل المسار؟ أيهما أفضل لحالتك؟
مقدمة
تعتبر جراحات علاج السمنة من أكثر الإجراءات الطبية فعالية في علاج السمنة المفرطة والأمراض المصاحبة لها مثل مرض السكر وارتفاع ضغط الدم وارتجاع المريء. وقد شهدت السنوات الأخيرة تطوراً كبيراً في تقنيات هذه الجراحات وانتشاراً واسعاً لها نظراً لنتائجها الإيجابية في إنقاص الوزن وتحسين نوعية الحياة.
من بين جراحات السمنة الأكثر شيوعاً، تبرز عمليتان رئيسيتان هما: عملية تكميم المعدة (Sleeve Gastrectomy) وعملية تحويل مسار المعدة (Gastric Bypass). تختلف كل عملية عن الأخرى من حيث الإجراء الجراحي والتأثيرات الفسيولوجية وآلية إنقاص الوزن والنتائج المتوقعة والمضاعفات المحتملة. وبالتالي، تختلف مدى ملاءمة كل منهما للمرضى باختلاف حالاتهم الصحية واحتياجاتهم الخاصة.
تهدف هذه المقالة إلى تقديم مقارنة شاملة بين هاتين العمليتين، وتسليط الضوء على خصائص كل منهما، والفروقات بينهما، وتأثيراتهما على الأمراض المزمنة مثل السكر والارتجاع المريئي، بالإضافة إلى مدى فعاليتهما في إنقاص الوزن. كل ذلك بهدف مساعدة المرضى على اتخاذ القرار الأمثل في اختيار العملية الأنسب لكل حالة.
نظرة عامة على عمليات جراحة السمنة
أهمية جراحات السمنة
السمنة المفرطة مرض مزمن يؤثر على نوعية الحياة ويزيد من مخاطر الإصابة بالعديد من الأمراض الخطيرة مثل أمراض القلب والأوعية الدموية، والسكر من النوع الثاني، وارتفاع ضغط الدم، والسكتات الدماغية، وبعض أنواع السرطان. وقد أثبتت جراحات السمنة فعاليتها في:
- إنقاص الوزن بشكل كبير ومستدام
- تحسين أو شفاء العديد من الأمراض المصاحبة للسمنة
- تحسين نوعية الحياة والحالة النفسية للمرضى
- إطالة متوسط العمر المتوقع
معايير اختيار المرشحين لجراحات السمنة
عادةً ما يتم اختيار المرشحين لجراحات السمنة وفقاً للمعايير التالية:
- مؤشر كتلة الجسم (BMI) يساوي أو يزيد عن 40 كجم/م²
- مؤشر كتلة الجسم يساوي أو يزيد عن 35 كجم/م² مع وجود أمراض مصاحبة للسمنة مثل السكري أو ارتفاع ضغط الدم
- في بعض الحالات، يمكن أن يكون مؤشر كتلة الجسم 30-35 كجم/م² مع وجود أمراض مصاحبة مثل السكر غير المنضبط
- فشل محاولات إنقاص الوزن بالطرق التقليدية (الحمية الغذائية والتمارين) على مدى فترة كافية
- الالتزام بتغيير نمط الحياة بعد الجراحة
- الاستقرار النفسي وعدم وجود اضطرابات نفسية غير معالجة
عملية تكميم المعدة
وصف العملية
تعتبر عملية تكميم المعدة من أكثر جراحات السمنة شيوعاً في الوقت الحالي، وتتضمن:
- إزالة حوالي 75-85% من حجم المعدة، بحيث يتم استئصال الجزء الأكبر من المعدة (الجزء المنحني الكبير أو ما يعرف بـ “Greater Curvature”)
- تحويل المعدة إلى أنبوب طويل ضيق يشبه “الموزة” أو “الكم” (Sleeve)
- يصبح حجم المعدة الجديد حوالي 100-150 مل بدلاً من 1.5-2 لتر
تتم العملية بتقنية المنظار الجراحي عبر 3-5 فتحات صغيرة في جدار البطن، مما يقلل من الألم بعد الجراحة ويسرع من التعافي.
آلية عمل تكميم المعدة في إنقاص الوزن
تعتمد عملية تكميم المعدة على آليتين رئيسيتين لإنقاص الوزن:
- تقليل كمية الطعام: بسبب صغر حجم المعدة، يشعر المريض بالشبع سريعاً بعد تناول كميات قليلة من الطعام.
- التأثير الهرموني: تؤدي إزالة جزء كبير من المعدة إلى انخفاض إفراز هرمون الجريلين (Ghrelin) المعروف بـ “هرمون الجوع”، مما يقلل من الشعور بالجوع ويزيد من الشعور بالشبع.
مميزات عملية تكميم المعدة
- إجراء أقل تعقيداً مقارنة بتحويل المسار
- لا يتضمن تحويل مسار الطعام أو تغيير في عملية الامتصاص
- انخفاض و نقص الفيتامينات والمعادن أقل مقارنة بعمليات أخرى
- يمكن تحويلها إلى عملية أخرى (مثل تحويل المسار) في حالة عدم كفاية النتائج
- معدل مضاعفات أقل مقارنة بالعمليات الأكثر تعقيداً
- تحسن في مستويات السكر والضغط والكوليسترول
- نسبة نجاح جيدة في فقدان الوزن (60-70% من الوزن الزائد في المتوسط)
عيوب ومخاطر عملية تكميم المعدة
- عملية غير قابلة للعكس لأنها تتضمن استئصال جزء من المعدة
- احتمال حدوث ارتجاع مريئي أو تفاقم الارتجاع الموجود مسبقاً
- خطر حدوث تسريب من خط الدباسة (Staple Line) خاصة في الأيام الأولى بعد العملية
- إمكانية استعادة بعض الوزن بعد 2-3 سنوات من العملية
- احتمال توسع المعدة مع مرور الوقت إذا لم يلتزم المريض بالإرشادات الغذائية
عملية تحويل مسار المعدة (Gastric Bypass)
وصف العملية
تعد عملية تحويل مسار المعدة (المعروفة أيضاً باسم Roux-en-Y Gastric Bypass) من أقدم وأكثر عمليات السمنة دراسة، وتشمل:
- تقسيم المعدة إلى جزأين:
- جيب معدي صغير في الأعلى بحجم 30-50 مل
- الجزء المتبقي من المعدة الذي يتم تجاوزه
- توصيل الأمعاء الدقيقة يالمعدة بحيث:
- يتم توصيل الجيب المعدي مباشرة بجزء من الأمعاء الدقيقة .
- بذلك يتم تجاوز (Bypass) كل من الجزء الأكبر من المعدة والاثنى عشر (الجزء الأول من الأمعاء الدقيقة)
تجرى العملية أيضاً بتقنية المنظار الجراحي في معظم الحالات.
آلية عمل تحويل المسار في إنقاص الوزن
تعتمد عملية تحويل المسار على ثلاث آليات رئيسية:
- تقليل كمية الطعام: بسبب صغر حجم الجيب المعدي.
- سوء الامتصاص الجزئي: تجاوز جزء من الأمعاء الدقيقة يؤدي إلى تقليل امتصاص السعرات الحرارية والمغذيات.
- التأثير الهرموني: تغييرات في إفراز هرمونات الجهاز الهضمي مثل:
- زيادة إفراز هرمونات الأمعاء التي تزيد الشعور بالشبع (مثل GLP-1 وPYY
- تغيير في مستويات هرمونات تنظيم السكر في الدم
- تعديل في استجابة الأنسولين
مميزات عملية تحويل المسار
- فقدان أكبر للوزن مقارنة بتكميم المعدة (70-80% من الوزن الزائد في المتوسط)
- تأثير أقوى وأسرع على مرض السكر من النوع الثاني (إمكانية “شفاء” مؤقت أو دائم)
- تحسن كبير في مستويات الأنسولين ومقاومة الأنسولين
- فعالية عالية في علاج الارتجاع المريئي
- نتائج طويلة المدى أفضل من حيث الحفاظ على الوزن المفقود
- تحسن كبير في الأمراض المصاحبة للسمنة مثل ارتفاع ضغط الدم، وارتفاع الدهون، وتوقف التنفس أثناء النوم
عيوب ومخاطر عملية تحويل المسار
- عملية أكثر تعقيداً من الناحية الجراحية
- مخاطر جراحية أعلى مقارنة بتكميم المعدة
- خطر نقص الفيتامينات والمعادن (خاصة الحديد وفيتامين B12 والكالسيوم وفيتامين D)
- احتمال حدوث متلازمة الإغراق (Dumping Syndrome) عند تناول الأطعمة عالية السكر
- خطر حدوث قرحة هضمية في منطقة التوصيل بين المعدة والأمعاء
- خطر حدوث انسداد معوي داخلي (Internal Hernia)
- ضرورة الالتزام بتناول المكملات الغذائية مدى الحياة
تأثير الجراحات على مرض السكر
مرض السكر من النوع الثاني يعد من أكثر الأمراض المرتبطة بالسمنة انتشاراً، وقد أظهرت الدراسات أن جراحات علاج السمنة لها تأثير إيجابي كبير على هذا المرض، بل إنها قد تؤدي في بعض الحالات إلى ما يُعرف بـ “الشفاء المؤقت” من السكر، حيث يمكن للمريض التوقف عن استخدام الأدوية المخفضة للسكر مع الحفاظ على مستويات طبيعية للسكر في الدم.
تفوق تحويل المسار في علاج السكر
تعتبر عملية تحويل مسار المعدة الخيار الأفضل للمرضى الذين يعانون من السكر من النوع الثاني للأسباب التالية:
- تأثير مستقل عن فقدان الوزن: تُظهر عملية تحويل المسار تحسناً سريعاً في مستويات السكر قبل حدوث فقدان ملحوظ للوزن، ويعود ذلك إلى التغيرات الهرمونية التي تحدث مباشرة بعد العملية.
- آلية هرمونية متعددة الجوانب:
- زيادة إفراز هرمون GLP-1 (Glucagon-Like Peptide-1) الذي يحفز إفراز الأنسولين
- تحسين حساسية الأنسولين في الكبد والعضلات
- تقليل مقاومة الأنسولين
- تعديل وظيفة خلايا بيتا في البنكرياس
- معدلات شفاء أعلى: تشير الدراسات إلى أن نسبة تحسن أو شفاء السكر بعد تحويل المسار تصل إلى 80-90% مقارنة بـ 60-80% بعد التكميم.
- استمرارية النتائج: تظهر الدراسات أن استمرار تأثير تحويل المسار على السكر لفترات أطول مقارنة بالتكميم.
الحالات التي قد يكون فيها التكميم مناسباً لمرضى السكر
رغم تفوق تحويل المسار في علاج السكر، إلا أن عملية التكميم قد تكون خياراً معقولاً في بعض الحالات:
- مرضى السكر حديثي التشخيص (أقل من 5 سنوات) مع مؤشرات جيدة لوظائف البنكرياس.
- المرضى الذين يحتاجون جرعات منخفضة من الأدوية ولا يعتمدون على الأنسولين.
- المرضى الذين لديهم موانع لإجراء تحويل المسار مثل:
- أمراض معوية التهابية
- حاجة مستمرة لتناول الأدوية المضادة للالتهاب أو مميعات الدم
- وجود أمراض تمنع الامتصاص
توصيات منظمة السكر العالمية
تشير توصيات المنظمات الطبية العالمية مثل الاتحاد الدولي للسكر والجمعية الأمريكية للسكر (ADA) إلى أن:
- تحويل المسار هو العملية المفضلة للمرضى الذين يعانون من السكر من النوع الثاني لفترات طويلة
- المرضى الذين يعتمدون على الأنسولين يستفيدون بشكل أكبر من تحويل المسار
- يمكن النظر في التكميم للحالات الأقل شدة من السكر
أيهما يناسب مرضى الارتجاع المريئي؟
الارتجاع المريئي والسمنة
يعاني الكثير من مرضى السمنة من مشكلة الارتجاع المريئي (GERD) الذي يظهر على شكل حرقة في المعدة، ارتجاع حمضي، ألم في الصدر، وصعوبة في البلع. وتزداد نسبة حدوث الارتجاع المريئي مع زيادة مؤشر كتلة الجسم بسبب:
- زيادة الضغط داخل البطن
- ضعف العضلة العاصرة السفلية للمريء
- وجود فتق الحجاب الحاجز في بعض الحالات
تأثير التكميم على الارتجاع المريئي
تعتبر عملية تكميم المعدة غير مناسبة لمرضى الارتجاع المريئي للأسباب التالية:
- زيادة الضغط داخل المعدة: يؤدي تصغير حجم المعدة إلى زيادة الضغط داخلها مما قد يفاقم أعراض الارتجاع.
- تغيير في الزاوية بين المريء والمعدة: يمكن أن تؤدي إلى إضعاف آلية الصمام الطبيعية.
تفوق تحويل المسار في علاج الارتجاع المريئي
تعتبر عملية تحويل مسار المعدة الخيار الأفضل لمرضى الارتجاع المريئي للأسباب التالية:
- تقليل إنتاج الحمض: يتم تحييد الجزء الأكبر من المعدة المنتج للحمض.
- تقليل الضغط على المريء: تصميم الجيب المعدي الصغير يقلل من ضغط المعدة على المريء.
- تحسن ملحوظ في الأعراض: تظهر الدراسات أن 80-90% من مرضى الارتجاع يتحسنون بشكل كبير بعد تحويل المسار.
- تراجع التغيرات النسيجية: يمكن في بعض الحالات ملاحظة تحسن في التغيرات النسيجية للمريء مثل مريء باريت.
توصيات للمرضى الذين يعانون من الارتجاع المريئي
- المرضى الذين يعانون من ارتجاع مريئي شديد: يفضل إجراء تحويل المسار لهم.
- المرضى الذين لديهم فتق حجابي: تحويل المسار هو الخيار الأنسب، وقد يتم إصلاح الفتق خلال العملية نفسها.
- المرضى الذين يعانون من مضاعفات الارتجاع: مثل تضيق المريء أو مريء باريت يفضل لهم تحويل المسار الكلاسيكي.
- المرضى الذين يصرون على التكميم رغم وجود ارتجاع خفيف: يجب إعلامهم باحتمال تفاقم الأعراض، وقد يحتاجون لاستخدام أدوية مثبطات مضخة البروتون لفترات طويلة.